فصل: ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


 خلافة القادر باللّه

أبي العباس أحمد بن الأمير وإسحاق بن المقتدر بن المعتضد وهو خامس عشرينهم وكان مقيماً بالبطيحـة‏.‏

كمـا ذكرنـاه فأرسـل إِليـه بهـاء الدولـة خـواص أصحابه ليحضروه ولما قرب من بغداد خرج بهاء الدولة وأعيان الناس لملتقاه ودخل القادر دار الخلافة ثاني عشر شهر رمضان وبايعه الناس وخطب له ثالث عشر رمضان‏.‏

وكانت مدة مقام القادر في البطيحة عند مهذب الدولة سنتين وأحد عشر شهراً‏.‏

وكان مهـذب الدولة محسناً إِلى القادر بالله ولما توجه من عنده حمل إِليه مهذب الدولة أموالاً كثيرة‏.‏

قتل بكجور وموت سعد الدولة كنا قد ذكرنا استيلاء منير الخادم من جهة العزيز على دمشق ومسير بكجور عنها إِلى الرقة فلمـا كـان هذه السنة سار بكجور إِلى قتال سعد الدولة بن سيف الدولة بحلب واقتتلا قتالاً شديـداً وهـرب بكجـور وأصحابه وكثر القتل فيهم ثم أمسك بكجور وأحضر أسيراً إِلى سعد الدولة فقتله ولقي بكجور عاقبة بغيه وكفره إحسان مولاه ولما قتله سار سعد الدولة إِلى الرقـة وبهـا أولـاد بكجـور وأموالـه وحصرهـا فطلبـوا الأمـان وحلفـوا سعـد الدولة على أن لا يتعرض إِليهم ولا إلى مالهم فبذل سعد الدولة اليمين لهم فلما سلموا الرقة إِليه وخرجوا منها غدر بهِم سعد الدولة وقبض على أولاد بكجور وأخذ ما معهم من الأموال وكانت شيئاً كثيـراٌ‏.‏

فلمـا عـاد سعد الدولة إِلى حلب لحقه فالج في جانبه اليمين فأحضر الطبيب ومد إليه يـده اليسرى فقال الطبيب‏:‏ يا مولانا هات اليمين‏.‏

فقال سعد الدولة‏:‏ ما تركت لي اليمين يميناً وعـاش بعـد ذلـك ثلاثـة أيـام ومـات في هذه السنة واسم سعد الدولة المذكور شريف وكنيته أبو المعالـي بـن سيـف الدولـة بـن علـي بـن حمدان بن حمدون الثعلبي‏.‏

وقبل موته عهد إِلى ولده أبي الفضائل بن سعد الدولة وجعل مولاه لؤلؤاً يدبر أمره‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة وصل بسيل ملك الروم إلى الشام ونازل حمص ففتحها ونهبها ثم سار إِلى شيـزر فنهبهـا ثـم سـار إِلـى طرابلـس فحصرهـا مـدة ثـم عـاد إِلـى بلـاد الـروم‏.‏

وفـي هـذه السنة توفي القائد جوهر الذي فتح مصر للمعز العلوي معزولا عن وظيفته‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتيـن وثمانيـن وثلاثمائـة

فيهـا شغبـت الجند على بهاء الدولة بسبب استيلاء أبي الحسن بن المعلم على الأمور كلها فقبض بهاء الدولة على ابن المعلم وسلمه إلى الجند فقتلوه‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

في هذه السنة استولى على بخارى بغراخان واسمه هارون بن سليمان أيلك خان وكان له كاشغر وبلا صاغون إِلى حد الصين فقصد بخارى وجرى بينه وبين الأمير الرضي نوح بن منصور الساماني حروب انتصر فيهما بغراخان وملك بخارى وخرج منها الأمير نوح مستخفياً فعبر النهر إِلى أمل الشط وأقام الأمير نوح المذكور بها ولحق به أصحابه وبقي يستدعي أبا علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان فلم يأته وعصي عليه ومرض بغراخان في بخارى فارتحل عنها راجعاً نحو بلاده فمات في الطريـق وكان بغراخان ديناً حسن السيرة وكان يحب أن يكتب عنه مولى رسول الله وولي أمرة الترك بعده طغان خان أبو نصر أحمد بن علي خان ولما رحل بغراخان عن بخارى ومات بادر الأمير نوح فعاد إِلى بخارى واستقر في ملكه وملك آبائه‏.‏

  ثم دخلت سنة أربـع وثمانيـن وثلاثماثة

في هذه السنة لما عاد نوح إلى بخارى اتفق أبو علي بن سيمجور صاحب جيش خراسان وفائق على حرب نوح فكتب نوح إِلى سبكتكين وهو بغزنـة يعلمـه الحـال وولـاه خراسـاَن فسـار سبكتكيـن عـن غزنـة ومعـه ولـده محمـود إِلـى نحو خراسان وخرج نوح مـن بخـارى فاجتمعـوا وقصـدوا أبـا علـي بـن سيمجـور وفائقـاً واقتتلـوا بنواحي هراة فانهزم أبو علي وأصحابه وتبعهم عسكر نوح وسبكتكيـن‏.‏

يقتلـون فيهـم ولمـا استقر أمر نوح بخراسان استعمل عليها محمود بن سبكتكين‏.‏

وفيهـا توفـي عبيـد اللـه بـن محمـد بـن نافـع وكـان مـن الصالحيـن بقـي سبعيـن سنة لا يستند إلى حائط ولا إِلى مخدة‏.‏

وأبو الحسن علي بـن عيسـى النحـوي المعـروف بالرمانـي ومولـده سنـة سـت وتسعين ومائتين وله تفسير كبير ومحمد بن العباس بن أحمد القزاز سمع وكتب كثيراً وخطه حجة في صحة النقل وجودة الضبط‏.‏

وفيها توفي أيضاً أبو إسحاق إِبراهيم بن هلال الكاتب الصابي المشهور وكان عمره إِحدى وتسعين سنة وكان قد زمن وضاقت الأمور به وقلت عليه الأموال كان كاتب إِنشاء ببغداد لمعز الدولة ثم كتب لبختيار وكانت تصدر عنـه مكاتبـات إِلـى عضـد الدولـة تؤلمـه فحقـد عليه فلما ملك عضد الدولة بغداد حبسه مدة ثم أطلقه وأمره عضد الدولة أن يصنف له كتاباً في أخبار الدولة الديلمية فصنف له كتاباً وسماه التاجي ونقل إِلى عضد الدولة عنه أن بعـض أصحاب أبي إسحاق دخل عليه وهو يؤلف في التاجي فسأله عما يعمل فقال‏:‏ أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فحرك ذلك عضد الدولة وأهاج حقده فأبعده وأحرمه ولم يزل الصابي على دينه فجهد عليه معز الدولة أن يسلم فلم يفعل وكان مع ذلك يحفظ القرآن ولمـا مـات الصابي المذكور رثاه الشريف الرضي فليم على ذلك‏.‏

فقال‏:‏ إِنما رثيت فضيلته‏.‏

  ثم دخلت سنة خمـس وثمانيـن وثلاثمائـة

وفـي هـذه السنـة عـاد أبـو علـي ابـن سيمجور إِلى خراسان وقاتـل محمـود بـن سبكتكيـن وأخرجه عنها ثم سار سبكتكين ومحمود ابنه بالعساكر واقتتلوا مع أبي علي بطرس فهزموه وفي ذلك يقول بعض الشعراء عن ابن سيمجور‏:‏ عصى السلطان فابتدرت إِليه رجـال يقلعـون أبـا قبيـس وصيـر طـوس معقله فكانت عليه طـوس أشـأم مـن طويـس ثم إِن أبا علي طلب الأمان من نوح فأمنه وسار إِليه فلما وصل إِلى بخارى قبض نوح على أبي علي وأصحابه وحبسهم حتى مات أبو علي في الحبس‏.‏

وفاة ابن عباد في هذه السنة مات الصاحب أبو القاسم إِسماعيل بن عباد وزير فخر الدولة علي بن ركن الدولة بالري ونقل إِلى أصفهان ودفن بها وكان الصاحب المذكور أوحد زمانه علماً وفضلا وتدبيراً وكرماً وكان عالماً بأنواع العلوم وجمع من الكتب ما لم يجمعه غيره وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد فقيل له صاحب ابن العميد‏.‏

ثم طلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علماً عليه‏.‏

ثم سمي به كل من ولي الوزارة وكان أولاً وزيراً لمؤيد الدولة بن ركن الدولة فلما مات مؤيد الدولة واستولى أخوه فخر الدولة على مملكته أقر الصاحب بن عباد على وزارته وعظمت منزلتـه عنـده وصنـف الصاحـب عدة كتب منها المحيط في اللغة والكافي في الرسائل وكتـاب الإمامـة يتضمـن فضائـل علـي وصحة إمامة من تقدمه وكتاب الوزارة وله النظـم الجيـد وكـان مولـده فـي ذي القعـدة سنـة سـت وعشريـن وثلاثمائـة بإصطخـر وقيـل بالطالقـان وهـي طالقـان قزويـن لا طالقـان خراسـان وكـان عبـاد أبـو الصاحـب وزيـر ركـن الدولـة وتوفـي عباد في سنة أربع أو خمس وثلاثين وثلاثمائة وفي هذه السنة توفي الإمام أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد المعروف بالدار قطني‏.‏

وكان حافظاً إِماماً فقيهاً مذهب الشافعي وكان يحفظ كثيراً من دواوين الشعراء منها ديوان السيد الحميري فنسب إِلى التشيع لذلك وخرج من بغداد إلى مصر وأقام عند أبي الفضل جعفر بن الفضل وزير كافور الإخشيدي‏.‏

وحصل للدارقطني منه مال جزيل وكان متقناً في علوم كثيرة إِمامـاً فـي علـوم القـرآن وكـان مولـده في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وكانت وفاته ببغداد والدار قطني نسبة إِلى دار القطن وكانت محلة كبيرة ببغداد‏.‏

وفيها توفي أبو محمد يوسف بن الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي الفاضل بن الفاضل شرح أبوه الحسن بن عبد الله كتاب سيبويه وظهر له فيه ما لم يظهر لغيره وصنف بعده كتاب الإقناع ومات الحسن المذكور قبل إِتمامه فكمله ولده يوسف المذكور‏.‏

ثم صنف عدة كتب مشهورة مثل شرح أبيات كتاب سيبويه وشـرح إِصلـاح المنطـق وسيـراف فرضـة فارس وليس بها زرع ولا ضـرع وأهلهـا زجـاة ومنهـا ينتهـي الإنسـان إِلـى حصـن ابـن عمـارة على البحر من أمنع الحصون‏.‏

ويقال إِن صاحبها هو الذي يقول الله تعالى في حقه‏:‏ ‏(‏وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينـة غصبـاً‏)‏ ‏(‏الكهـف‏:‏ 79‏)‏ وكـان اسـم ذلـك الملـك الجُلُنـدي بضـم الجيـم واللام وسكون النون وفتح الدال المهملة وبعدها ألف‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثمانين وثلاثمائة

 وفاة العزيز بالله

وولاية ابنه الحاكم وفي هذه السنة لليلتين بقيتا من رمضان توفي العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إِسماعيل العلوي الفاطمي صاحب مصر‏.‏

وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر بمدينة بليس وكان قد برز إِليها لغزو الروم وكان موتـه بعـدة أمـراض منهـا القولنـج‏.‏

وكانـت خلافتـه إِحـدى وعشريـن سنـة وخمسـة أشهر ونصف شهر‏.‏

ومولده بالمهدية وكان قد ولى كتابته رجـلاً نصرانيـاً يقـال لـه عيسـى بـن نسطـورس واستنـاب بالشام رجلاً يهودياً اسمه ميشا فاستطالت النصارى واليهود بسببهما على المسلمين فعمد أهل مصر إِلى قراطيس فعملوها على صورة امرأة ومعها قصة وجعلوها في طريق العزيز فأخذها العزيز وفيها مكتوب بالذي وأعز اليهود بميشا والنصارى بعيسى بن نطورس وأذل المسلمين بك إِلا كشفت عنده فقبض على عيسى النصراني المذكور وصادره وكان العزيز يحب العفو ويستعمله‏.‏

ولما مات العزيـز بويـع ابنـه المنصـور أبـو علـي الحاكـم بأمـر اللـه بعهـد مـن أبيه فولي الخلافة وعمره إِحدى عشرة سنة وقام بتدبير ملكه خادم أبيه رجوان وكان خصياً أبيض فضبط الملك وحفظه للحاكم إِلى أن كبر ثم قتل الحاكم أرجوان المذكور‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة مات أبو دواد بن المسيب أمير الموصل وولي بعده أخوه المقلد بن المسيب‏.‏

وفيهـا توفـي منصـور بـن يوسـف بلكيـن بـن زيري الصنهاجي أمير إِفريقية وكان ملكاً كريماً شجاعاً وتولى بعده ابنه باديس بن منصور‏.‏

وفيها توفي أبو طالب محمد بن علي بن عطية المكي صاحب قوت القلوب‏.‏

روى أنه صنف كتابه قوت القلوب وكان قوته إِذ ذاك عروق البدري وكان صالحاً مجتهداً في العبادة ولم يكن من أهل مكة وإنما كان من أهل الجبل وسكن مكة فنسب إِليها وقدم بغداد فوعظ وخلط في كلامه فهجروه‏.‏

وكان مما خلط فيه وحفظ عليه أنه قال‏:‏ ليس على المخلوقين أضر من الخالق‏.‏

ومنع من الكلام بعد ذلك وتوفي ببغداد في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

من كتاب الجمع والبيـان فـي أخبـار القيـروان‏.‏

فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة سبـع وثمانيـن وثلاثمائـة عقـد باديس بن منصور بن بلكين صاحب إِفريقية في شهر صفر الولاية لعمه حماد بن بلكين على أشير وخرج إِليها حماد فاتسعت ولاية حماد وكثر دخلـه وعظـم شأنـه واجتمـع لـه العساكـر والأموال وبقي كذلك إِلى سنة خمس وأربعمائة فأظهر حماد الخلاف على ابن أخيه باديس وخـرج عـن طاعتـه وخلعـه وسـار كـل منهمـا بجموعـه إِلـى الآخـر واقتتـلا في أول جمادى الأولى سنة ست وأربع مائة فانهزم حماد هزيمة شنيعة بعد قتال شديد جرى بين الفريقين ولما انهزم حماد التجأ إلى قلعة مغيلة ثم سار حماد إلى مدينة دكمة ونهبها ونقل منها الزاد إِلى القلعة المذكورة وعـاد إِليهـا وتحصـن بها وباديس نازل بالقرب منه محاصر له ودام الحال كذلك حتى توفي باديس فجأة نصف ليلة الأربعاء آخر ذي القعدة سنة ست وأربع مائة‏.‏

وتولـى بعـد باديـس ابنـه المعـز بن باديس‏.‏

واستمر حماد على الخلف معه كما كان مع أبيه حتى اقتتـل المعـز بـن باديـس وحمـاد فـي سنـة ثمـان وأربـع مائـة بموضع يقال له ينني فانهزم حماد بعد قتال شديد هزيمة قبيحة وبعد هذه الهزيمة لم يعد حماد إِلى قتال واصطلح مع المعز المذكور على أن يقتصـر حمـاد علـى مـا فـي يده وهو عمل ابن علي وما وراءه من أشير وتاهرت واستقر للقائد بن حماد المسيلة وطبنة ومرسى الدجاجي وزواوة ومقرة ودكمة وغير ذلك وبقي حماد وابنه القائـد كذلـك حتـى توفـي حمـاد فـي نصـف سنـة تسـع عشـرة وأربـع مائـة واستقـر فـي الملـك بعده ابنه القائد بن حماد وبقي القائد في الملك حتى توفي في سنة ست وأربعين وأربعمائة في شهر رجب‏.‏

ولمـا توفـي القائـد ملـك بعـده ابنه محسن بن القائد بن حماد فأساء السيرة وخبط وقتل جماعة من أعمامه فخرج عن طاعة محسن المذكور ابن عمه بلكين ابن محمد بن حماد واقتتل معه فقتل بلكين محسناً المذكور وملك موضعه في ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربع مائة وبقي حتى غـدر ببلكيـن المذكـور الناصـر بـن علنـاس بـن حمـاد وأخـذ منـه الملـك فـي رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة واستقر الناصر بن علناس بن حماد في الملك حتى توفي في سنة إِحدى وثمان وأربعمائة‏.‏

وملـك بعـده ابنـه المنصـور بـن الناصـر وبقـي فـي الملـك حتـى توفـي فـي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وملـك بعـده ابنـه باديـس بن المنصور وأقام باديس مدة يسيرة وتوفي وملك بعده أخوه العزيز بالله بـن المنصـور وبقـي العزيـز فـي الملـك حتـى توفـي ولـم يقع لي تاريخ وفاته وملك بعده ابنه يحيى بن العزيـز باللـه وبقـي فـي الملـك حتـى سـار عبـد المؤمـن مـن الغـرب الأقصـى وملـك بجايـة‏.‏

قال ابن الأثير فـي الكامـل‏:‏ إِن ذلـك كـان فـي سنـة سبـع وأربعيـن وخمس مائة وكان آخر من ملك منهم يحيى بن العزيـز باللـه بـن المنصور بن الناصر بن علناس بن حماد بن بلكين وانقرضت دولة بني حماد في السنة المذكورة وكان ينبغي أن نذكر ذلك مبسوطاً مع السنين وإنما جمعناه لقلته لينضبط‏.‏

موت نوح صاحب ما وراء النهر في هذه السنة مات الرضي الأمير نوح بن منصور بن نوح بن ناصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان‏.‏

في رجب واختلّ بموته ملك آل سامان ولما توفي قام بالأمر بعده ابنه أبو الحارث منصور بن نوح‏.‏

موت سبكتكين وفـي هـذه السنـة توفـي سبكتكيـن فـي شعبـان وكـان مقامـه ببلخ فلما طال مرضه ارتاح إِلى هوى غزنهَ فسار عن بلخ إِليها فمات في الطريق فنقل ميتاً ودفـن بغزنـة وكانـت مـدة ملكـه نحـو عشرين سنة‏.‏

وكان عادلاً خيراً ولما حضرته الوفاة عهد إِلى ولده إِسماعيل وكان محمود أكبر منه فملك إِسماعيل وكان بينه وبين أخيه محمود قتال في تلك المدة ثم انتصر محمود وانهزم إِسماعيل وانحصر في قلعة غزنة وحاصره محمود فنزل إِسماعيل بالأمان فأحسن إِليه محمـود وأكرمه وكان مدة ملك إِسماعيل سبعة أشهر‏.‏

وفاة فخر الدولة وفي هذه السنة توفي فخر الدولة أبو الحسن علي بن ركن الدولة أبي علي الحسن بن بويه بقلعـة طبـرك فـي شعبـان وأقعدوا في الملك بعده ولده مجد الدولة أبا طالب رستم وعمره أربع سنين واتفق الأمراء على ذلك وكان المرجع في تدبير الملك إِلى والدة أبي طالب المذكور‏.‏

غير ذلك من الحوادث وفي هذه السنة توفي أبو الوفاء محمد بن محمد المهندس الحاسـب البوزجانـي أحـد الأئمـة المشاهيـر فـي علـم الهندسـة ومولـده فـي رمضـان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببوزجان وهي بلدة

مـن خراسـان بيـن هـراة ونيسابـور ثم قدم العراق‏.‏

وفيها توفي الحسن بن إِبراهيم بن الحسين من ولد سليمان بن زولاق وهو مصري الأصل وكان فاضلاً في التاريخ وله فيه مصنفات وله كتاب خطط مصر وكتاب قضاة مصر وله غير ذلك من المصنفات رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الحسـن بـن عبـد اللـه بـن سعيـد العسكـري العلامـة وكنيتـه أبـو أحمـد صاحـب التصانيف الكثيرة في اللغة والأمثال وغيرها وكان أبو أحمد المذكور من أهل عسكر مكرم وهـي مدينـة مـن كـور الأهـواز وكان مولده في شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين وأخذ العلم عن أبي بكر بن دريد ومن جملة تصانيفه كتاب في علم المنطق وكتاب الزواجر وكتاب المختلف والمؤتلف وكتاب الحكم والأمثال‏.‏

قتل صمصام الدولة في هذه السنة في ذي الحجة قتل صمصام الدولة أبو كاليجار المرزبـان بـن عضـد الدولـة فناخسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه بسبب شغب الديلم عليه وكان عمر صمصام الدولة خمساً وثلاثين سنة وسبعة أشهر ومدة ولايته بفارس تسع سنين وثمانية أيام‏.‏

قال القاضي شهاب الدين بن أبي الدم‏:‏ إِن صمصام الدولة المذكور لما خرج من الاعتقال وملك في سنة ثمانيـن وثلاثمائـة كـان أعمـى مـن حيـن سمـل واستمـر فـي الملـك وكـان منـه مـا تقـدم ذكره حتى قتل في هـذه السنة وهو أعمى‏.‏

وفيها توفي محمد بن الحسن بن المظفر المعروف بالحاتمي أحد الأعلام وكان إِماماً في الأدب واللغة وهو صاحب الرسالة الحاتمية التي بيّن فيها سرقة المتنبي ونسبة الخاتمي إِلى حاتم بعض أجداده‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة

القبض على الأمير منصور بن نوح وولاية أخيه في هذه السنة اتفق أعيان عسكر منصور الساماني مع بكتورون وفائق وخلعوا منصوراً بن نوح وأمر بكتورون به ولم يراقب الله ولا إِحسان مواليه إِليه وأقاموا في الملك أخاه عبد الملك وهو صبي صغير وكان مدة ملك منصور سنة وسبعة أشهر‏.‏

ولمـا وقـع مـن بكتـورون وفائـق مـا وقع في حق منصور بن نوح كتب محمود بن سبكتكين يلومهما على ذلك وسار إِليهما فاقتتلوا أشد قتال ثم انهزم بكتورون وفائق وتبعهم محمد يقتل في عسكرهم حتى أبعدوا في الهرب واستولى محمود على ملك خراسان وقطـع منهـا خطبـة السامانية‏.‏

انقراض دولة السامانية وفي هذه السنةِ انقرضت دولة السامانية فإِن محمود بن سبكتكين لما ملك خراسان وقطع خطبتهم اتفق ببخارى مع عبد الملك بن نوح بكتورون وفائق وأخذوا في جمع العساكر فاتفق أن فائقاً مات في تلك المدة وكان هو المشار إِليه فضعفت نفوسهم بموته وبلغ ذلك أيلك خان واسمه أرسلان فسار في جمع الأتراك إِلى بخارى وأظهر المودة لعبد الملك والحمية له فظنوه صادقاً وخرج إِليه بكتورون وغيره من الأمراء والقواد فقبض عليهم وسار حتى دخل بخارى عاشر ذي القعدة من هذه السنة‏.‏

ثم قبض على عبد الملك بن نوح وحبسه حتى مات في الحبس وحبس معه أخاه منصور الذي سملوه وباقي بني سامان وانقرضت دولة بني سامان‏.‏

وكانت دولتهم قد انتشرت وطبقت كثيراً من الأرض وكانت من أحسن الدول سيرة وعدلا وهـذا عبد الملك هو عبد الملك بن نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إِسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان‏.‏

فسبحان من لا يزول ملكه وكان ابتداء دولتهم في سنة إِحدى وستين ومائتيـن وانقرضـت فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة تسـع وثمانيـن وثلاثمائـة

  ثم دخلت سنة تسعيـن وثلاثمائة

في هذه السنة وقيل بل فـي سنـة خمـس وتسعيـن وثلاثمائـة توفـي أبـو الحسيـن أحمـد بـن فـارس بـن زكريـا الـرازي اللغوي كان إِماماً في علوم شتى وخصوصاً في اللغة وله عدة مصنفات منها‏:‏ كتابـه المجمل في اللغة ووضع المسائل الفقهية وهي مسألة في المقامة الطيبية وكان مقيماً بهمذان وعليه اشتغل البديع الهمذاني صاحب المقامات‏.‏

  ثم دخلت سنة إِحـدى وتسعيـن وثلاثمائـة

فـي هـذه السنة قتل حسام الدولة المقلد بن المسيب بن رافـع بـن جعفـر بـن عمـر بـن مهنا بن يزيد بالتصغير بن عبد الله بن زيد من ولد ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العقيلي وكان المقلد المذكور أعور وأخوه أبو الذواد محمـد بـن المسيـب هـو أول مـن استولـى منهـم علـى الموصـل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة حسبما تقدم ذكره ثم ملكها بعده أخوه المقلد المذكور في سنة ست وثمانين وثلاثمائة واستمر مالكها حتـى قتـل فـي هذه السنة قتله مماليكه الأتراك بالأنبار وكان قد عظم شأنه ولما مات قام مقامه ابنه قرواش بن المقلد بن المسيب‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي أبو عبد الله الحسين بن الحجاج الشاعر بطريق النيل‏.‏

وكان شاعراً مشهوراً ذا مجون وخلاعة وتولى حسبة بغداد مدة وكان من كبار الشيعة وأوصى أن يدفن عنـد مشهـد موسـى بـن جعفـر وأن يكتـب علـى قبـره ‏(‏وكلبهـم باسـط ذراعيـه بالوصيـد‏)‏ ‏(‏الكهـف‏:‏ 8‏)‏ ولما مات بالنيل نقل إِلـى بغـداد ودفـن كمـا أوصـى والنيـل بلـدة علـى الفـرات بيِـن بغـداد والكوفة وأصل اسم هذا الموضع أن الحجاج بن يوسف حفر به نهراً مخرجه من الفرات وعليه قرى وسماه باسم نيل مصر‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتيـن وتسعيـن وثلاثمائة

في هذه السنة غزا السلطان محمود بن سبكتكين بلاد الهند فغنـم وأسـر وسبـى كثيـراً وعـاد إِلـى غزنـة سالمـاً غانمـاً‏.‏

وفـي هـذه السنـة جـرى بيـن قـرواش بـن المقلد بن المسبب العقيلي وبين عسكر بهاء الدولة حروب انتصر فيها قرواش أولاً ثم انتصر عسكر بهاء الدولة‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الفقيه الشافعي المعروف بابن الدقاق صاحب الأصول‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة

في هذه السنة ملك يمين الدولة محمود بن سبكتكين سجستان وانتزعهـا مـن يـد صاحبهـا خلـف بـن أحمـد وبقـي خلـف بـن أحمـد المذكـور فـي الجوزخـان بعـد ذلـك أربـع سنيـن ثـم نقلـه يميـن الدولة محمود إِلى جودين واحتاط عليه هناك حتى أدركه أجله سنة تسع وتسعين وكان خلف المذكور مشهوراً بطلب العلم وله تفسير من أكبر الكتب‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة توفي أبو عامر محمد الملقب بالمنصور أمير الأندلس وكان قد عظـم شأنـه وأكثر الغزوات وضبط البلاد وكانت ولايته في سنـة سـت وستيـن وثلاثمائـة حسبمـا ذكرنـاه هناك فكانت مدة ولايته نحواً من سبع وعشرين سنة ولم يكن للمؤيد خليفة الأندلس معه من الأمر شيء ولما توفي المنصور بن أبي عامر المذكور تولى بعده ابنه أبو مروان عبد الملك بن المنصور المذكور وتلقب بالمظفر وجرى في الغزو وسياسة الملك عن هشام المؤيد على قاعدة أبيه وبقي عبد الملك المذكور في الولاية سبع سنين فتكون وفاته في سنة أربعمائة‏.‏

ولمـا توفـي عبـد الملـك المظفـر المذكـور قـام بالأمـر بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر المذكور وتلقب عبد الرحمن المذكـور بالناصـر فخلـط ولـم يـزل مضطـرب الأمـور مـدة أربعـة أشهر فخرج على المؤيد ابن عمه محمد بن هشام على ما سنذكره إِن شاء الله تعالى فخلع هشام وقُتل عبد الرحمن المذكور وصُلب‏.‏

وفي هذه السنة كثرت العيـارون والمفسـدون والفتـن ببغـداد‏.‏

وفيهـا استعمـل الحاكـم العلـوي صاحب مصر والشام على دمشق أبا محمد الأسود ولما استقر فـي قصـر الإِمـارة بدمشـق وحكم أشْهَر إِنساناً مغربياً ونادى عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم أخرجه من دمشق‏.‏

وفيها توفي ببغداد عثمان بن جني النحوي الموصلي مصنف اللمع وغيره ومولده سنة اثنتين وثلاثمائة وفيها توفي القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني بالري وكان إِماماً فاضلاً ذا فنون كثيرة والوليد بن بكر بن مخلد الأندلسي الفقيه المالكي وهو محدث مشهور‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامي الشاعر البغدادي فمن شعره في عضد الدولة‏:‏ فبشرت آمالي بملك هو الـورى ودار هي الدنيا ويوم هو العمر وله في الدرع‏:‏ يـا ربَّ سابغة حبتني نعمة كافأتها بالسوء غير مفند أضحت تصون عن المنايا مهجتي وظللت أبذلها لكل مهندِ

  ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة

خروج البطيحة عن ملك مهذب الدولة فـي هـذه السنـة استولـى علـى البطيحـة وغيرهـا إِنسـان يقـال له أبو العباس بن واصل‏.‏

وكان رجلاً قـد تنقـل فـي خـدم الناس ثم خدم مهذب الدولة صاحب البطيحة فتقدم عنده حتى جهز معه جيشاً فاستولى على البصرة وسيراف فلما فتحهما ابن واصل المذكور وغنم أموالاً عظيمة قويت نفسه وخلع طاعة مهذب الدولة مخدومه ثم قصده فانهزم مهذب الدولة عن البطيحة واستولى ابن واصل على بلاد مهذب الدولة وأمواله وكانت عظيمة ونهب ما كان مع مهذب الدولة من المال وقصد مهذب الدولـة بغـداد فلـم يمكـن مـن الدخـول إِليهـا وهـذا خلـاف مـا اعتمده مهذب الدولة المذكور مع القادر لما هرب من بغداد إِليه فإِن مهذب الدولة بالغ في الخدمة والإِحسان إِليه‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي نقابة العلويين بالعـراق وقضـاء القضـاة والمظالـم وكتـب عهـده بذلك من شيراز ولقبّه الطاهر ذا المناقب فامتنع الخليفة من تقليده قضاء القضاة وأمضى ما سواه‏.‏